سورة الروم - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {عاقبةُ} بالرفع على اسم {كان} والخبر يجوز أن يكون {السوأى} ويجوز أن يكون {أن كذبوا} وتكون {السوأى} على هذا مفعولاً ب {أساءوا} وإذا كان {السوأى} خبراً ف {أن كذبوا} مفعول من أجله ولا يصح تعلقه ب {أساءوا} لأن في ذلك فصلاً بين الصلة والموصول بخبر {كان}، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {عاقبةَ} بالنصب على أنها خبر مقدم واسم {كان} أحد ما تقدم، و{السوأى} مصدر كالرجعى والفتيا والشورى، ويجوز أن تكون صفة لمذوف تقديره الخلة السوأى أو الخلال السوأى قال أبو حاتم هذه قراءة العامة بالمد على الواو وفتح الهمزة وياء التأنيث فبعض القراء فخم وبعضهم أمال، وقرأ الحسن {السوّى} بشد الواو دون همز، وقرأ الأعمش وابن مسعود {السوء} بالتذكير، وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال السوء والسوأى اقرأ بما شئت، قال ابن عباس {أساءوا} هنا بمعى كفروا و{السوأى} هي النار والتكذيب {بآيات الله}، تعالى غير الاستهزاء بها فلذلك عدد عليهم الفعلين، ثم أخبر تعالى إخباراً مطلقاً لجميع العالم بالحشر والبعث من القبور، وقرأ طلحة وابن مسعود {يُبدِيء} بضم الياء وكسر الدال، وقرأ جمهور القراء {ترجعون} بالتاء من فوق، وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بالياء، وقوله {ويوم} منصوب ب {يبلس}، والإبلاس الكون في شر مع اليأس من الخير في ذلك الشر بعينه، فإبلاسهم هو في عذاب الله تعالى، وقرأ عامة القراء بكسر اللام، وقرأ أبو عبد الرحمن وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بفتحها، وأبلس الربع إذا بلي وكأنه يئس من العمارة ومنه قول العجاج:
يا صاح هل تعرف رسماً مكرسا *** قال نعم أعرفه وأبلسا
وقرأ عامة القراء {ولم يكن لهم} بالياء من تحت، وروي عن نافع {تكن} بالتاء من فوق، والشركاء المشار إليهم هو الأصنام أي الذين كانوا يجعلونهم شركاء لله بزعمهم.
وقوله {وكانوا} معناه يكونون عند معاينتهم أمر الله وفساد حال الأصنام فعبر عنه بالماضي لتيقن الأمر وصحة وقوعه.


{يتفرقون} معناه في المنازل والأحكام والجزاء، قال قتادة: فرقة والله لا اجتماع بعدها و{يحبرون} معناه ينعمون، قاله مجاهد، والحبرة والحبور السرور والتنعم، وقال يحيى بن أبي كثير: {يحبرون} معناه يسمعون الأغاني، وهذا نوع من الحبرة، وقال ابن عباس {يحبرون} يكرمون وفي المثل امتلأت بيوتهم حبرة فهم ينظرون العبرة ومنه بيت أبي ذؤيب: [الطويل]
فراق كقيص السن فالصبر انه *** لكل أناس عبرة وحبور
هذا على هذه الرواية، ويروى عثرة وحبور، وهي أكثر وذكر تعالى الروضة لأنها من أحسن ما يعلم من بقاع الأرض، وهي حيث اكتمل النبت الأخضر وجن وما كان منها في المرتفع من الأرض كان أحسن، ومنه قول الأعشى: [البسيط]
وما روضة من رياض الحزن معشبة *** خضراء جاد عليها مسل هطل
ومنه قول كثير: [الطويل]
فما روضة طيبة الثرى *** تمج النداء جثجاثها وعرارها
قال الأصمعي: ولا يقال روضة حتى يكون فيها ماء يشرب منه، و{محضرون} معناه مجموعون له لا يغيب أحد عنه، وقوله تعالى: {فسبحان الله} خطاب للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحض على الصلاة في هذه الأوقات، كأنه يقول إذ هذه الفرق هكذا من النعمة والعذاب فجدوا أيها المؤمنون في طريق الفوز برحمة الله، وقال ابن عباس وقتادة وبعض الفقهاء: في هذه الآية على أربع صلوات: المغرب والصبح والعصر والظهر، قالوا والعشاء هي الآخرة في آية أخرى في {زلفاً من الليل} [هود: 114] وفي ذكر أوقات العورة، وقال ابن عباس أيضاً وفرقة من الفقهاء: في هذه الآية تنبيه على الصلوات الخمس لأن قوله تعالى {حين تمسون} يتضمن الصلاتين، وقوله {وله الحمد في السماوات والأرض} اعتراض بين الكلامين من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته، وقرأ عكرمة {حيناً تمسون وحيناً تصبحون} والمعنى حين تمسون فيه.


{الحي} و{الميت} في هذه الآية يستعمل حقيقة ويستعمل مجازاً، فالحقيقة المني يخرج منه الإنسان والبيضة يخرج منها الطائر وهذه بعينها ميتة تخرج من حي وما جرى هذا المجرى، وبهذا المعنى فسر ابن عباس وابن مسعود وقال الحسن: المعنى المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.
قال الفقيه الإمام القاضي: وروي هذ المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية عندما كلمته بالإسلام أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، والمجاز إخراج النبات الأخضر من الأرض وإخراج الطعم من النبات وما جرى هذا المجرى، ومثل بعد إحياء الأرض بالمطر بعد موتها بالدثور والعطش، ثم بعد هذا الأمثلة القاضية بتجويز بعث الأجساد عقلاً ساق الخبر بأن كذلك خروجنا من القبور. وقرأت فرقة فرقة {يخرجون} بالياء من تحت، وقرأ عامة القرأ {تُخرجون} بالتاء المضمومة، وقرأ الحسن وابن وثاب والأعمش وطلحة بفتح التاء وضم الراء، و{من} في قوله {ومن آياته أن خلقكم} للتبعيض، وقال {خلقكم} من حيث خلق أباهم آدم قاله قتادة، و{تنتشرون} معناه تتصرفون وتتفرقون في الأغراض والأسفار ونحوها، وقوله {من أنفسكم} يحتمل أن يريد خلقه حواء من ضلع آدم فحمل ذلك على جميع النساء من حيث أمهم مخلوقة من نفس آدم، أي من ذات شخصه، ويحتمل أن يريد من نوعكم ومن جنسكم، والمودة والرحمة على بابها المشهور من التواد والتراحم، هذا هو البليغ، وقال مجاهد والحسن وعكرمة: عنى ب المودة الجماع وب الرحمة الولد، ثم نبه تعالى على خلق السماوات والأرض واختلاف اللغات والألوان وهذه عظم مواقع العبرة من هذه الآيات، وقوله {وألوانكم} يحتمل أن يريد البياض والسواد وغيرهما، ويحتمل أن يريد ضروب بني آدم وأنواعهم نعم وأشخاص الأخوة ونحوهم تختلف بالألوان ونعم الألسنة وبذلك تصح الشهادات والمداينات وتقع الفروق والتعيين فهكذا تبين النعمة، وقرأ جمهور القراء {لَلعالمين} بفتح اللام، وقرأ حفص عن عصام {لِلعالمين} بكسر اللام فالأولى على أن هذه الآية هي نفسها منصوبة لجميع العالم والثانية على معنى أن أهل الانتفاع بالنظر فيها إنما هم أهل العلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6